قصة وأخيرا رقص الجمل
كانت إحدى القوافل المكونة من الجمال والحَمِيرِ تَحْمِلُ البضائع والأَمْتِعَةَ مِنْ بلد إلى آخر، وتسير لمسافات طويلة لأسابيع وأيام متواصلة.
لاحظ أصْحابُ القافلة أَنَّ جَمَلاً وَحماراً قَدْ ظَهَر عَلَيْهِمَا التَّعَبُ بشكلٍ واضح، فَخفَّفَا مِنْ حِمْلِهِما، وَلَكِنَّهُما لَمْ يَتَمَكَّنَا مِنْ مُواصَلَةِ السَّيْرِ، فَقَرَّرَ أَصحَابُ القَافِلةِ التَّخَلَّص مِنهُمَا، فَأَطلَقُوا سَبِيلَهُما.
انْطلَقَ الجَمَلُ وَالْحِمار يَرعيَانِ فِي أحد المراعي الخصبة، الذي كانت تُحيط بِهِ غابَةٌ كثِيفَةٌ جَمِيلَةٌ، يَأْكُلان ويستريحان كما يحلو لهما ، دونَ أَي عَناءِ أَوْ تَعَبٍ، فَاستَرَدًا عَافيَتَهُما، وَأَصبَحَا بَعْدَ فَترَةٍ مِنَ الزَّمنِ قَوِيَّيْنِ سَمِينَيْنِ.
وَفِي يَومِ منَ الأَيَّامِ في صَبَاحِ مُشْرِقٍ، وَهَوَاء عَلَيل، في فَصْل الرَّبيع أكل الجَمَلُ والحِمارُ عُشباً كثيراً، ثُمَّ شَرِبَا مِنْ تَجَمع صغِير لِلْمِيَاهِ. جَلَسَ الجَملُ لِيَسْتَرِيحَ، وَلَكِنَّ الحمار مدَّ رَقَبتهُ إلى الأَمامِ، وهوَ يَشعرُ بِشَيءٍ مِن الفرح والسرور.
قال الحمار لصديقه الجمل: أريد أن أغني، لَمْ يُصَدِّقِ الجَمَلُ ما سَمِعَهُ فَقَالَ: مَاذَا تُرِيدُ؟ فَرَدَّ الحِمارُ بِحَزْمِ: أُريدُ أَنْ أغني. فقالَ الجَمَلُ: قَدْ يَسْمَعُكَ إِنْسَانَ مَا، فَيَأْتِي إِلَيْنَا، وَقَدْ نَعودُ لِلْعَمَلِ فِي القَوافِلِ، والشَّقَاءِ مِنْ جَدِيدٍ. فَقَالَ الحِمارُ: لِيَكُن ما يكون، إِنَّني أشعر بالسعادة، ولا أستطيع أن أمنع نفسي من الغناء!
وقَفَ الحِمارُ على مُرْتَفَع مِنَ الْأَرْضِ، ثُمَّ أَخَذَ يَنْهَقُ بِصَوْتِهِ المُرْتَفِع. وَلَكنَّ الجمَلَ أَخَذَ يُرْغِي مِنْ شِدَّةِ الغَضَبِ. سَمِعَ قَوْمٌ مِنَ المُسافِرِينَ مَعَ إحْدَى القَوافِلِ صَوْتَ الحِمارِ، فَتَوَجَّهَ رجُلانِ مِنْهمْ إِلَى مَصْدَرِ الصَّوْتِ، فوجدا حماراً وَجَمَلاً سَمِينَيْنِ فَسرًا بِذَلِكَ، وَقَالا: نَأْخُذُهما مَعَنَا وَنَستعِينُ بهما في تجارتنا وأسفارنا.
سارت القافلة مسافات طويلة، فعاد الحمار يمشي رويداً رويداً، وبدا عَلَيْهِ التَّعَبُ وَأَخَذَ يَتَأَخَّرُ في المسير. أثار الحمارُ فَلَقَ رِجال القافلة، فتشاوروا في أمره، وقَرَّرُوا أَنْ يُخَفِّفُوا الحمل عَنْهُ، وَلَكِنَّهُ بَعْدَ ساعات توقف في وسط الطريق، وامتنع عن المسير.
اقترح أحد رجال القافلة على رفاقه أن يتركوا الحمار وَشَأْنَهُ، وَاقْتَرَحَ آخر الإبقاء عَلَيْهِ وَمُعالَجَتَهُ في الطَّريقِ. وَتَقَدَّمَ رَجُلٌ ثالث وَقَالَ: أَخُوهُ أحق بحمله، فقالَ رِفاقُهُ: وَمَنْ أَخُوهُ؟ فَقَالَ: الجَمَلُ الَّذِي عَثَرْنَا عَلَيْهِ مَعَهُ. فَوافَقُوا جميعاً على ذلك.
أناخ أحدُ الرِّجالِ الجَمَلَ، وَحَمَلَ الحِمارَ عَلَيْهِ. سَارَ الجَمَلُ المُطِيعُ بِطَبْعِهِ وَعَلَى ظَهْرِهِ الحِمارُ. وَبَعْدَ يَوْمَينِ مِنَ المَسِيرِ، وَقَفَ الجَمَلُ فِي وَسَطِ الطَّريقِ، وَهُوَ يَجْتَرُ. سَأَلَهُ الحِمارُ: مَالَكَ وَقَفتَ عَنِ الْمَسيرِ؟ فَقَالَ الجَمَلُ: خَطَرَ لي خاطر يا صديقي.
سأل الحمار صديقه الجمل باستغراب: وما هو هذا الخاطر؟ فَقَالَ الجَمَلُ : أتذكر يا صديقي غناءك الجميل في المرعى وسط الغابة؟ قَالَ الحِمارُ: نَعَمْ أذكره، كيف أَنْسَاهُ وَقَدْ دَلَّ عَلَيْنَا النَّاسِ؟ فَقَالَ الجَمَلُ: إِنَّنِي أَشْعرُ بالطَّرَبِ الشديد بسببه، وأَرْغَبُ في الرقص.
غضب الحمار وقال بصوت عال: كَيْفَ تَرْقُصُ وأنا على ظَهْركَ؟ فَقَالَ الجمل: لا أستطيعُ أَنْ أَمْنَعَ نَفْسِي مِنَ الرَّقْصِ، أرجوك يا صديقي أن توافق. صَمَتَ الحِمارُ غاضباً، وَهُوَ ينتظر مصيره.
أخَذَ الجَمَلُ يَرْكُضُ مُسْرِعاً، ويتمايل يميناً وشمالاً، حَتَّى وَقَعَ الحِمارُ عن ظهره. صَرَحَ الحِمارُ مِنَ الألم وقال: يا صديقي الجَمَلَ، لَقَدْ كسر و قوائمي. فرد الجمل على الفور : يا صديقي الحمار، واحدة بواحدة، لَو أَنَّكَ لَمْ تُغَنِّ فِي الوَقْتِ غَيْرِ المُناسِب، لَمَا رَقَصْتُ أنا في الوَقْتِ المُناسب!
قصة وأخيرا رقص الجمل هي قصة قصيرة للأطفال من تأليف د. عمر الساريسي.